فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في ذكر طالوت:
وهو اسمٌ أَعجمىّ لُقِّب به، وكان اسمه في الأَصل سارا وقيل ساوا، فقيل له: طالُوت لطول قامَته. ومعنى طالوت في اللُّغة العِبْرِية طَوِيلٌ. وكان مَلِكَ بنى إِسرائيل، وكان صفَّى أَشمويل وخاصَّته، وخصّه الله تعالى بزيادة بَسْطة في العِلْم والجِسْم.
وبسببه انتقل تابوت آدمَ الذي كان مِيراثَ إِسرائيل وإِسماعيل من العَمالِقة إِلى بَنِى إِسرائيل.
وأَجرى الله تعالَى نهر الأُرْدُنِّ بسبب تجربة قومه وابتلائهم، وأَهلك الله جالوتَ الجبّارَ وثلثمائة وثلاثة عشر نفرًا من أَصحابه، وأَعْدَمَهُمْ بالقتل والقهر على يَدَىْ داوُد نُصْرةً لطالوت.
وذكره الله تعالى في موضعين من كتابه العزيز: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا}، ثم قال لإِظهار كرامته: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ}، ثم قال بيانا لخاتمة أَمره وأَمرِ المؤمنين ونَصْرهم، وخاتمة أَمرِ أَعدائه من الكافرين وهزيمتهم وقهرهم: {وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (250):

قوله تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ثم بين أنهم صدقوا قولهم قبل المباشرة بالفعل عندها فقال عاطفًا على ما تقديره: فلما قالوا لهم ذلك جمع الله كلمتهم فاعتمدوا عليه وبرزوا للقتال بين يديه: {ولما برزوا} وهم على ما هم عليه من الضعف والقلة، والبروز هو الخروج عن كل شيء يوارى في براز من الأرض وهو الذي لا يكون فيه ما يتوارى فيه عن عين الناظر {لجالوت} اسم ملك من ملوك الكنعانيين كان بالشام في زمن بني إسرائيل {وجنوده} على ما هم عليه من القوة والكثرة والجرأة بالتعود بالنصر {قالوا ربنا أفرغ} من الإفراغ وهو السكب المفيض على كلية المسكوب عليه {علينا صبرًا} حتى نبلغ من الضرب ما نحب في مثل هذا الموطن {وثبت} من التثبيت تفعيل من الثبات وهو التمكن في الموضع الذي شأنه الاستزلال {أقدامنا} جمع قدم وهو ما يقوم عليه الشيء ويعتمده، أي بتقوية قلوبنا حتى لا نفر وتكون ضرباتنا منكبة موجعة وأشاروا بقولهم: {وانصرنا على القوم الكافرين} موضع قولهم: عليهم، إلى أنهم إنما يقاتلونهم لتضييعهم حقه سبحانه وتعالى لا لحظ من حظوظ النفس كما كان من معظمهم أول ما سألوا وإلى أنهم أقوياء فلابد لهم من معونته عليهم سبحانه وتعالى اهـ.

.قال الفخر:

إن العلماء والأقوياء من عسكر طالوت لما قرروا مع العوام والضعفاء أنه كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، وأوضحوا أن الفتح والنصرة لا يحصلان إلا بإعانة الله، لا جرم لما برز عسكر طالوت إلى عسكر جالوت ورأوا القلة في جانبهم، والكثرة في جانب عدوهم، لا جرم اشتغلوا بالدعاء والتضرع، فقالوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} ونظيره ما حكى الله عن قوم آخرين أنهم قالوا حين الالتقاء مع المشركين: {وَكَأَيّن مّن نَّبِىّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران: 146] إلى قوله: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا في أَمْرِنَا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وانصرنا عَلَى القوم الكافرين} [آل عمران: 147] وهكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل المواطن، وروي عنه في قصة بدر أنه عليه السلام لم يزل يصلي ويستنجز من الله وعده، وكان متى لقي عدوًا قال: «اللهم إني أعوذ بك من شرورهم وأجعلك في نحورهم» وكان يقول: «اللهم بك أصول وبك أجول». اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال أبو السعود:

{وَلَمَّا بَرَزُواْ} أي ظهر طالوتُ ومن معه من المؤمنين وصاروا إلى براز من الأرض في موطن الحرب {لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} وشاهدوا ما هم عليه من العَدد والعُدد وأيقنوا أنهم غيرُ مطيقين لهم عادة {قَالُواْ} أي جميعًا عند تقوى قلوب الفريقُ الأولُ منهم بقول الفريق الثاني متضرعين إلى الله تعالى مستعينين به {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} على مقاساة شدائِد الحربِ واقتحامِ مواردِه الصعبةِ الضيقة وفي التوسل بوصف الربوبية المُنبئ عن التبليغ إلى الكمال وإيثارِ الإفراغِ المعرب عن الكثرة وتنكيرِ الصبر المفصح عن التفخيم من الجزالة ما لا يخفى {وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا} في مداحض القتالِ ومزالِّ النزال وثباتُ القدم عبارةٌ عن كمال القوةِ والرسوخِ عند المقارعة وعدمِ التزلزل وقت المقاومة لا مجرد التقرّر في حيز واحد {وانصرنا عَلَى القوم الكافرين} بقهرهم وهزمِهم، ووضعُ الكافرين في موضع الضمير العائد إلى جالوتَ وجنودِه للإشعار بعِلة النصرِ عليهم، ولقد راعَوْا في الدعاء ترتيبًا بديعًا حيث قدموا سؤالَ إفراغِ الصبر الذي هو مِلاكُ الأمر ثم سؤالَ تثبيتِ القدم المتفرغِ عليه ثم سؤالَ النصرِ الذي هو الغاية القصوى. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ولما برزوا لجالوت وجنوده} صاروا بالبراز من الأرض، وهو ما ظهر واستوى، والمبارزة في الحرب أن يظهر كل قرن لصاحبه بحيث يراه قرنه، وكان جنود طالوت ثلاثمائة ألف فارس، وقيل: مائة ألف، وقال عكرمة: تسعين ألفًا.
{قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا} الصبر: هنا حبس النفس للقتال، فزعوا إلى الدعاء لله تعالى فنادوا بلفظ الرب الدال على الإصلاح وعلى الملك، ففي ذلك إشعار بالعبودية.
وقولهم: أفرغ علينا صبرًا سؤال بأن يصب عليهم الصبر حتى يكون مستعليًا عليهم، ويكون لهم كالظرف وهم كالمظروفين فيه.
{وثبت أقدامنا} فلا تزل عن مداحض القتال، وهو كناية عن تشجيع قلوبهم وتقويتها، ولما سألوا ما يكون مستعليًا عليهم من الصبر سألوا تثبيت أقدامهم وإرساخها.
{وانصرنا على القوم الكافرين} أي: أعنا عليهم، وجاؤا بالوصف المقتضي لخذلان أعدائهم، وهو الكفر، وكانوا يعبدون الأصنام، وفي قولهم: ربنا، إقرار لله تعالى بالوحدانية، وقرار له بالعبودية. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

كان أهم أمورهم الصبر والوقوف للعدو، ثم بعده النصرة عليهم فإن الصبر حق الحق، والنصرة نصيبهم، فقدَّموا تحقيق حقه سبحانه وتوفيقه لهم، ثم وجود حظِّهم من النصرة، ثم أشاروا إلى أنهم يطلبون النصرة عليهم- لا للانتقام منهم لأَجْل ما فاتهم من نصيبهم- ولكن لكونهم كافرين، أعداء الله.
فقاموا بكل وجهٍ لله بالله؛ فلذلك نُصِرُوا وَوَجدوا الظفر. اهـ.

.قال الفخر:

المسألة الرابعة: الأمور المطلوبة عند المحاربة:
اعلم أن الأمور المطلوبة عند المحاربة مجموع أمور ثلاثة فأولها: أن يكون الإنسان صبورًا على مشاهدة المخاوف والأمور الهائلة، وهذا هو الركن الأعلى للمحارب فإنه إذا كان جبانًا لا يحصل منه مقصود أصلًا وثانيها: أن يكون قد وجد من الآلات والأدوات والاتفاقات الحسنة مما يمكنه أن يقف ويثبت ولا يصير ملجأ إلى الفرار وثالثها: أن تزداد قوته على قوة عدوه حتى يمكنه أن يقهر العدو.
إذا عرفت هذا فنقول المرتبة الأولى: هي المراد من قوله: {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} والثانية: هي المراد بقوله: {وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا} والثالثة: هي المراد بقوله: {وانصرنا عَلَى القوم الكافرين}. اهـ.

.قال الألوسي:

وفي هذا الدعاء من اللطافة وحسن الأسلوب والنكات ما لا يخفى:
أما أولًا: فلأن فيه التوسل بوصف الربوبية المنبئة عن التبليغ إلى الكمال.
وأما ثانيًا: فلأن فيه الإفراغ، وهو يؤذن بالكثرة، وفيه جعل الصبر بمنزلة الماء المنصب عليهم لثلج صدورهم وإغنائهم عن الماء الذي منعوا عنه.
وأما ثالثًا: فلأن فيه التعبير بعلى المشعر بجعل ذلك كالظرف وجعلهم كالمظروفين.
وأما رابعًا: فلأن فيه تنكير صبرًا المفصح عن التفخيم.
وأما خامسًا: فلأن في الطلب الثاني وهو تثبيت الأقدام ما يرشح جعل الصبر بمنزلة الماء في الطلب الأول إذ مصاب الماء مزالق فيحتاج فيها إلى التثبت.
وأما سادسًا: فلأن فيه حسن الترتيب حيث طلبوا:
أولًا: إفراغ الصبر على قلوبهم عند اللقاء.
وثانيًا: ثبات القدم والقوة على مقاومة العدوّ حيث أن الصبر قد يحصل لمن لا مقاومة له.
ثالثًا: العمدة والمقصود من المحاربة وهو النصرة على الخصم حيث إن الشجاعة بدون النصرة طريق عتبته عن النفع خارجة، وقيل: إنما طلبوا:
أولًا: إفراغ الصبر لأنه ملاك الأمر.
وثانيًا: التثبيت لأنه متفرع عليه.
وثالثًا: النصر لأنه الغاية القصوى، واعترض هذا بأنه يقتضي حينئذٍ التعبير بالفاء لأنها التي تفيد الترتيب، وأجيب بأن الواو أبلغ لأنه عول في الترتيب على الذهن الذي هو أعدل شاهد كما ذكر السكاكي. اهـ.

.قال الفخر:

احتج الأصحاب على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى بقوله: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} وذلك لأنه لا معنى للصبر إلا القصد على الثبات، ولا معنى للثبات إلا السكون والاستقرار وهذه الآية دالة على أن ذلك القصد المسمى بالصبر من الله تعالى، وهو قوله: {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} وعلى أن الثبات والسكون الحاصل عند ذلك القصد أيضًا بفعل الله تعالى، وهو قوله: {وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا} وهذا صريح في أن الإرادة من فعل العبد وبخلق الله تعالى، أجاب القاضي عنه بأن المراد من الصبر وتثبيت القدم تحصيل أسباب الصبر، وأسباب ثبات القدم، وتلك الأسباب أمور أحدها: أن يجعل في قلوب أعدائهم الرعب والجبن منهم فيقع بسبب ذلك منهم الاضطراب فيصير ذلك سببًا لجراءة المسلمين عليهم، ويصير داعيًا لهم إلى الصبر على القتال وترك الانهزام، وثانيها: أن يلطف ببعض أعدائهم في معرفة بطلان ما هم عليه فيقع بينهم الاختلاف والتفرق ويصير ذلك سببًا لجراءة المؤمنين عليهم وثالثها: أن يحدث تعالى فيهم وفي ديارهم وأهاليهم من البلاء مثل الموت والوباء، وما يكون سببًا لاشتغالهم بأنفسهم، ولا يتفرغون حينئذٍ للمحاربة فيصير ذلك سببًا لجراءة المسلمين عليهم ورابعها: أن يبتليهم بمرض وضعف يعمهم أو يعم أكثرهم، أو يموت رئيسهم ومن يدبر أمرهم فيعرف المؤمنون ذلك فيصير ذلك سببًا لقوة قلوبهم، وموجبًا لأن يحصل لهم الصبر والثبات، هذا كلام القاضي.
والجواب عنه من وجهين: الأول: أنا بينا أن الصبر عبارة عن القصد إلى السكوت والثبات عبارة عن السكون، فدلت هذه الآية على أن إرادة العبد ومراده من الله تعالى وذلك يبطل قولكم وأنتم تصرفون الكلام عن ظاهره وتحملونه على أسباب الصبر وثبات الأقدام، ومعلوم أن ترك الظاهر بغير دليل لا يجوز.
الوجه الثاني: في الجواب أن هذه الأسباب التي سلمتم أنها بفعل الله تعالى إذا حصلت ووجدت فهل لها أثر في الترجيح الداعي أوليس لها أثر فيه وإن لم يكن لها أثر فيه لم يكن لطلبها من الله قائدة وإن كان لها أثر في الترجيح فعند صدور هذه الأسباب المرجحة من الله يحصل الرجحان، وعند حصول الرجحان يمتنع الطرف المرجوح، فيجب حصول الطرف الراجح، لأنه لا خروج عن طرفي النقيض، وهو المطلوب، والله أعلم. اهـ.